لسنواتٍ نعاني من أزمة حقيقية في حقل الكتب والكتابة، وذلك بسبب الكتب الإلكترونية غير القانونية (الـ PDF)، والكتب الورقية المزوَّرة، وحتى الكتب المسموعة على اليوتيوب وغيره من المنصات غير المالكة لحقوقها، وهذا يؤثر بالسلب على الكاتب والناشر الأصلي. في هذا المقال نعرض بعض الحلول البديلة، التي إذا ما اجتمعت قد تشكِّل فارقاً فيما يتعلق بأزمة الكتب غير القانونية، وإذا ما نُفِّذ أحدها دون البقية قد لا يحدث الأثر المرجو.
أولاً: في الآونة الأخيرة أصبحنا محاطين بثقافة رأسمالية استهلاكية تزيد من سعر كل شيء إلى أضعافه بلا قيمة حقيقية تضاهي هذا السعر المرتفع. فنجد الكثير من المقاهي مثلاً تتحول فجأة إلى (كافيهات)، فتزداد أسعار منتجاتها إلى الضعف والضعفين، رغم أن المنتج لا يزال كما هو تقريباً، فيما عدا إضافات بسيطة شكلية. وكذلك كل السلع بما فيها الكتب. أعتقد أننا لو توقفنا عن التفكير بهذه الطريقة الاستهلاكية فإن أسعار الكثير من المنتجات سوف تصبح أرخص بحوالي ثلاثين بالمئة، وهي نسبة ليست بالقليلة.
(أحمد مراد.. السقوط في بئر الاستهلاكية)
ثانياً: فيما مضى كنت أشتري الكثير من الكتب دون حسابات، ولكن بعد ارتفاع أسعارها تعلمت أن أفكر كثيراً قبل أن أقرر شراء هذا الكتاب دون ذاك. تعلمت أن أقرأ عن الكتاب جيداً قبل أن أدفع مقابله هذا السعر الكبير. وهذه طريقة قد تفيدك إذا ما طبقتها: قبل أن تشتري أي كتاب ابحث عنه جيداً، تعرَّف على موضوعه وطريقة معالجته للموضوع، واقرأ وشاهد ما كُتب عنه. وسوف تجد الكثير من الفيديوهات والمقالات والمحتوى المتعلق بتقييم الكتب، منها مجموعة (مراجعات ميدو) الموجودة على هذه المدونة.
النقطة الثالثة متعلقة بوجود عدد كبير جداً من الكتب في السوق، في حين أن الكتب الجيدة منها قليلة جداً، وهذا يرجع إلى كارثة تقوم بها دور النشر، وهي النشر مقابل الأموال، أو النشر للمؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي، دون اعتبار لجودة الكتاب. وهنا نحتاج إلى أن يتسم الناشرون بالوعي، وأن يتخلوا عن السعي المحموم وراء الربح، ويدركوا أن نشر الجيد من الكتب –ولو كانت قليلة– سوف يدر عليهم أرباحاً أكثر من نشر الكثير من الكتب غير الجيد معظمها. كما أن الكتب الجيدة ستضيف إلى الثقافة وتشجع الكثير من الكتّاب الشباب على الكتابة، ما سيؤثر إيجاباً في المشهد الثقافي بأسره.
وهذه الأزمة متصلة بأزمة أخرى تخص الكتّاب؛ فالكثير منهم لديهم الموهبة، ولكنهم غير مدركين أن الموهبة وحدها لا تكفي. كثيراً ما أرسل لي زملائي وأصدقائي وحتى الغرباء أفكاراً أو نصوصاً من أجل أن أقوم بتقييمها، وغالباً ما أجد فكرتها جيدة، ولكنها تفتقر إلى المهارة. وحين أنصح الكاتب بأن يقرأ ويتعلم الكتابة أُقابَل بالاستنكار. الكثير من الكتّاب –أو من المصريين عامةً– غير مهتمين بالتعليم، التعليم كفكرة بوجه عام. ولهم عذرهم، فنحن نقضي في المدرسة والجامعة سنوات طويلة دون تعليم حقيقي، فنكبر ونحن غير معترفين بأهميته. وهذا ما يدفع من ناحية أخرى الكثير من الكتّاب المحترفين إلى سرقة أفكار الكتّاب الهواة، لأسباب عدة؛ أهمها أنهم يجدون كتاباتهم –كما ذكرت– تتسم بجودة الفكرة، ولكنها تفتقر إلى جودة الحرفة، فيعطون لأنفسهم الحق في سرقتها لأنهم يجيدون هذه الحرفة. هنا ينبغي على الكتّاب أن يدركوا أهمية التعليم؛ فالكتابة ليست خيالاً فحسب، إنها دراسة وثقافة ومهارة.
خامساً: إذا كان لدينا كتّاب ذوو وعي وبالتالي كتب جيدة، فماذا سنفعل مع من يسولون لأنفسهم سرقة محتوى الكتب ونشره بشكل غير قانوني؟ هنا ينبغي على الدولة أن تتدخل، ولا يقتصر تدخلها فقط على ردع باعة الكتب والقبض عليهم، وإنما البحث عن المصدر واستئصاله، البحث عن الأوكار التي يتم فيها طباعة هذه الكتب، والمواقع الإلكترونية التي تنشر الكتب بغير حقوق، ومقاضاتها. والحق أنه لو اتسم الكتّاب ودور النشر بالوعي الذي ننشده، سيصبح القراء بدورهم نبلاء، وربما لن يقبلوا بقراءة الكتاب بشكل غير قانوني، كما ذكرنا سوف يتغيّر المشهد الثقافي بالكامل.
سادساً وأخيراً: فيما يتعلق بسعر الكتاب، الذي سيظل مرتفعاً إلى حد ما رغم كل ما ذكرنا، بسبب التضخم والأزمة الاقتصادية التي تعانيها البلاد، فهنا نعرض حلّ الكتب المستعملة، أو الكتب الإلكترونية القانونية على المنصات متواضعة الاشتراك. إن الحلول الإيجابية البديلة كثيراً ما تكون أفضل من الخيارات الأولى، والدول المتقدمة جميعها تدرك ذلك. وإذا ما نظرنا إلى تجربة Amazon KDP، والتي سمحت للكتّاب بنشر أعمالهم بشكل مستقل، دون الحاجة إلى دور النشر التي ترفض الكثير من الأعمال، سنجد أنها أخرجت الكثير من الكتب الجيدة، مثل كتاب The Martian الذي تحوَّل إلى فيلم سينمائي شهير. وبذلك أصبح الكاتب يتمتع بكامل الحقوق المتعلقة بأرباح الكتاب. كما أن هذا الحل البديل يمكن وضعه ضمن الحلول المتاحة للكتّاب الذين يعانون من رفض دور النشر لأعمالهم، وهذا ما فعلته أنا شخصياً؛ فما تقرؤونه على مدونتي من مقالات وقصص قوبلت بالرفض من قبل دور النشر. ولست أقول إن أعمالي ممتازة والناشرين أغبياء، قد تكون حقيقةً غير جيدة بما يكفي، ولكني أذكر ذلك كمثال على الحلول البديلة التي ننصح بها.
تم.
اكتب لنا رأيك في التعليقات، وشارك المقال ليصل للمزيد من الأشخاص.
