صوت داخلي - قصة قصيرة - الفصل الأول

* * *
إهداء
إلى صاحبة الأثر الأكبر في حياتي
معالجتي أ. آلاء عبد الله 
شكراً على كل شيء
* * *
صوت داخلي - قصة قصيرة

لتجربة أفضل:

* * *

الإسكندرية 20 مارس 2018م

"العالم الوسيم"، تعلقت هذه العبارة بذهني لما قرأتها في رواية موسم صيد الغزلان قبل قليل، لا أدري متى سأنتهي من قراءتها، الأمر وكأنني أقرأ سطرين كل سنة، قرأت اليوم القليل منها على ضوء كشاف هاتفي، نظراً لتلف مصباح غرفتي. الغرفة مشتركة بيني وبين سيف أخي الأكبر، لكم تمنيتُ أن أكون وحيداً بدون إخوة، فأحظى بكل الرعاية والاهتمام، ولكن لي ثلاثة إخوة ذكور من نفس الأم، وأخ رابع من أم ثانية، أنا ثاني إخوتي، وأكثرهم تدليلاً لدى أبي، خاصة وأني -على حد تصوره- متفوق في الدراسة، ويأمل أن أحقق أمله بأن أصبح طبيباً، وهذا ما جعل عبارة "العالم الوسيم" تجذب اهتمامي

- طيب يا عالم يا وسيم ما بتحضرش معانا ليه؟

هكذا تخيلت تعليق علي صديقي، بصوته الرفيع ونبرته المستهزئة بغير حدة. ففي المركز التعليمي الذي أحضر فيه، هناك موعدين لكل درس، موعد مبكر في الثانية ظهراً، والثاني في الرابعة مساءً، وقد اخترت منذ بداية هذا العام أن أحضر في الموعد المبكر، تاركاً الموعد المتأخر الذي يحضر فيه علي ومصطفى صديقيّ، وقد نشأت صداقة بين وبين يوساب في الموعد المبكر، ووجد بيننا اهتمام مشترك بالكاتب أحمد مراد، أنا ويوساب ننتظر عرض فيلم تراب الماس أكثر مما ننتظر كأس العالم، بعكس أغلب الذكور. ولكم يحزنني تعرضه إلى شيء من العنصرية من قبل الزملاء في الدرس، الذين يتكلمون بين الحين والأخرى عن رائحة كريهة موجودة في القاعة بسبب هؤلاء المسيحيين الذين يحضرون معنا. 

وبحضوري مبكراً تخليتُ كذلك عن الحضور في المدرسة، فمن يحضرون في المدرسة يصعب عليهم المجيء في موعد الثانية ظهراً، ولم أخسر بذلك شيئاً، هذا لأن في مدرسة عباس حلمي الثانوية لا يوجد مدرس يشرح، وبالتالي لا يوجد طالب يستفيد، أما مدرسة حسان بن ثابت، وهي مدرسة علي ومصطفى، فهي مدرسة المتفوقين، وكانت تتطلب مجموعاً مرتفعاً في الإعدادية من أجل الالتحاق بها، ومجموعي كان متوسطاً. 

وأما عن تفضيلي الموعد المتأخر فذلك يرجع إلى سببين

- يا عم دي حبيبة اللي بتسأل عليك، بتقول اتكبر علينا

كان ذلك هو السبب الأول، حبيبة، التي خفق قلبي لذكر اسمها، أما السبب الثاني فلأن الموعد المتأخر موعد المتفوقين، لذا فالمدرسون يتوقفون عن الشرح بين الحين والأخرى ويسألون الطلاب فيما شرحوا، لست أخشى عدم معرفتي الإجابة، بل عدم قدرتي على نطقها، فأنا متلعثم، ورغم تجنبي الحضور مع المتفوقين لا أسلم، فيتعين عليّ نطق اسمي مرة كل شهر من أجل تسجيل دفع المصروفات. موعد الدفع غداً، هذه المواجهة التي أقضي الشهر بأكمله قلقاً منها، وما إن تنتهي حتى أشعر تجاهها باستهانة، رغم تعثري الشديد فيها، إلا أنني أقول لنفسي إن الأمر بسيط جداً، ولكني ما أشعر أنه بسيط إلا لأنه مضى وانتهى، ولو طلب مني نطق اسمي مجدداً لتعثرت ربما أكثر من المرة الأولى. هذه هي حياتي منذ جاءتني فكرة التلعثم أول ما جاءت، فالتلعثم ما هو إلا صوت داخلي يقول إنني لن أستطيع أن اتكلم، صوت قوي لدرجة تعجزني حقاً عن التكلم، فترتعش شفتاي وتضطرب أنفاسي وتهرب عيني من مواجهة عيني محدثي

- علاء محمد السيد موسى أحمد السيد علي عبد العال

نطقت اسمي بالكامل بصوت خفيض، ممتنعاً عن ذكر اسم العائلة الذي لا نحبذ ذكره، وبمناسبة العائلة تذكرت الصعيد الذي ولدت ونشأت فيه، وقد تركناه قبل عامين بسبب نظام العائلات الذي يسوده، كلما كان عدد أفراد عائلتك أكبر، كلما كنت مقدراً بين الناس، وعلى النقيض تصبح بلا قيمة إذا لم يكن لديك أقرباء كثر، وكان ذلك حالنا. وقد جئت من الصعيد محملاً ببوادر التلعثم، وإدمان الاستمناء، الذي أخذ يلح عليّ كعادته حين احتاج إلى توفيق الله في مواجهة كلامية ما، فإذا كنت أريد توفيقه عليّ ألا أغضبه، ولكن ألا يفترض أن أكون على حقيقتي معه؟ إذا كان يريد توفيقي فليوفقني وأنا على معصية. تذكرت أن ميس هناء الموظفة المسؤولة عن التسجيل قد ساعدتني مرة وجعلتني أكتب اسمي بنفسي، أليس ذلك كفيلاً بإزالة الضغط عني قليلاً؟ أليس ذلك دافعاً لعدم الاستمناء؟ ولكن العجيب أن ذلك كان دافعاً لممارسته! فتحت النتيجة في هاتفي، فقد أعتدت أن أرصد عدد مرات استمنائي بأن أضع علامة 🙂 عن كل مرة أستمني فيها في تاريخ اليوم، وكان عدد المرات مرعباً، ومن عجب أن ذلك يزيد من رغبتي.

- عايزين ايه فلوس لبكره؟

كان ذلك صوت بابا آتياً من الصالة، وكأن الله قدر مجيئه في هذه اللحظة حتى يحول دون ما كنت مقدماً على فعله.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال