أحمد مراد.. السقوط في بئر الاستهلاكية

في عام 2017م حصل أحمد مراد على جائزة الدولة التقديرية لتفوقه في الآداب، وتعد هذه الجائزة المحطة الأهم في مسيرة أحمد مراد الإبداعية، إذ إن أعماله قبل الجائزة تختلف عنها بعد الجائزة من حيث الجودة والكثافة. وفي هذا المقال نتناول تحليلًا لمسيرة أحمد مراد الإبداعية كروائي وسيناريست، أحدث تغيراً لا يمكن إنكاره في كلٍ من الصناعتين.

أحمد مراد.. السقوط في بئر الاستهلاكية

* * *

نبذة عن أحمد مراد

أحمد مراد، كاتب معاصر، وُلد في القاهرة عام 1978م. صدرت له الروايات: فيرتِيجو، تراب الماس، الفيل الأزرق، 1919، أرض الإله، موسم صيد الغزلان، لوكاندة بير الوطاويط، وأبو الهول، وكتاب القتل للمبتدئين. وكتب سيناريوهات الأفلام: الفيل الأزرق الجزء الأول والثاني، الأصليين، تراب الماس، وكيرة والجن.


أحمد مراد.. فيرتيجو وتراب الماس

بدأ أحمد مراد مشواره الفني ككاتب بداية قوية جداً، بروايتي فيرتِيجو وتراب الماس. رغم أن رواية فيرتِيجو كانت الرواية الأولى، إلا أن أحمد مراد كتبها كما يقول الكتاب، حرفياً، وهنا أتكلم عن كتاب البطل بألف وجه لجوزيف كامبل، وهو أشهر كتاب في حقل الدراما، فقد طبق أحمد مراد مراحل رحلة البطل التي تناولها جوزيف كامبل في كتابه بالضبط، ابتداءً من العالم الاعتيادي وانتهاءً بالعودة بالإكسير.

(اقرأ: مراجعة وتقييم رواية فيرتيجو)

أما تراب الماس فقد ظهر فيها ما بذله أحمد مراد من جهد في تعلم قواعد الكتابة الاحترافية، فجاءت تراب الماس على مستوى فني عالي الجودة. وكانت تراب الماس وفيرتِيجو بمثابة تنبؤ بثورة يناير، إذ تناولتا الفساد السياسي المستشري في المجتمع المصري، كما أن بطل رواية فيرتِيجو لجأ في النهاية إلى الإنترنت لنشر فضائح المسؤولين، تمامًا مثلما لجأ شباب الثورة إلى الإنترنت من أجل الحشد ليوم الخامس والعشرين من يناير 2011م.

(اقرأ: ملخص كتاب الثورة لـ وائل غنيم)


أحمد مراد.. الفيل الأزرق

وهرب أحمد من الواقع المعاش في الفترة ما بين 2011م و2012م، والتي سيطرت عليها السياسة بعد نجاح ثورة الخامس والعشرين من يناير، وأصبح جميع المصريين محللين سياسيين. في هذا الوقت خرج علينا أحمد مراد بروايته الفيل الأزرق، البعيدة كل البعد عما يجري حوله من أحداث سياسية فارقة. وكان ذلك من ناحيةٍ ذكاءً من أحمد مراد، إذ إن مثل هذه الأحداث التاريخية لا بد أن نبتعد عنها لوقت كافٍ حتى نفهمها على نحو أعمق، ومن ناحية أخرى كان ذلك سببًا في انتشار أعمال أحمد مراد أيما انتشار، إذ إن شريحة كبيرة جدًا من القراء يقرأون من أجل الهروب من الواقع، والدخول في عوالم غريبة ومغايرة. ولذلك حققت رواية الفيل الأزرق مبيعات خرافية، وحتى الآن ما تزال هي الرواية الأنجح لأحمد مراد على الصعيد التجاري، رغم أنها ليست الأفضل على المستوى الفني.


أحمد مراد.. السينما والرواية

ثم دخل أحمد مراد في مرحلة جديدة أكثر تجارية، لكنها أقل عمقًا من الناحية الفنية. هنا ظهرت السينما في مسيرة أحمد مراد، رغم أنه بدأ العمل على تحويل رواية تراب الماس قبل نحو عام أو اثنين، إلا أن فيلم الفيل الأزرق الجزء الأول خرج إلى النور أولًا، وكان ذلك في عام 2014م، في الوقت الذي كان يكتب فيه أحمد مراد روايته الرابعة 1919. وقد كانت الرواية، كما ذكرنا في مقال سابق *(اقرأ: مراجعة رواية 1919)* رجوعًا إلى حقبة تاريخية أبعد من حقبة نجيب وثورة 23 يوليو التي تناولها أحمد مراد في روايته تراب الماس، وقد ربط مراد بينها وبين الحاضر، فكان رجوعه إلى بعدٍ أعمق اختيارًا جيدًا، ويدل على ذكائه ككاتب ومفكر. ولكن لم تكن رواية 1919 ذات مستوى فني عالٍ، وكذلك رواية أرض الإله التي تلتها في الظهور، ولم تحقق كلتا الروايتين النجاح الجماهيري الذي حققته الروايات التي سبقتهما.

(اقرأ: ملخص كتاب كنت رئيساً لمصر لـ محمد نجيب)

وعلى التوازي كتب أحمد مراد للسينما سيناريو تراب الماس، وسيناريو الأصليين، قبل أن يخرج علينا بروايته السادسة موسم صيد الغزلان، التي حققت -على عكس الروايتين السابقتين- نجاحًا ملحوظًا، وأحدثت جدلًا واسعًا، وواجهت كذلك انتقادات حادة، وبسببها أتُّهم أحمد مراد بالإلحاد والمجون، رغم أن تساؤلات بطل موسم صيد الغزلان ورؤيته للإله والأديان والشيطان لم تكن شديدة القوة، بحيث تثير هذا الخوف في نفوس القراء، إلا أن مجتمعنا بطبيعته المتعنتة الجامدة يبدو أنه يخشى ويرتعب حتى من أبسط التساؤلات وأيسرها.

شهدت هذه الفترة غزارة إنتاجية من قبل أحمد مراد، فقد كتب فيها ثلاث روايات للأدب: 1919، أرض الإله، وموسم صيد الغزلان، وثلاثة سيناريوهات للسينما: الفيل الأزرق 1، الأصليين، وتراب الماس، وكان جديرًا بالحصول على الجائزة التقديرية للتفوق في الآداب.


أحمد مراد.. الأعمال الأخيرة

ولكن الأعمال التي تلت حصوله على جائزة الدولة -رغم غزارتها ونجاحها التجاري المذهل، وخاصة في السينما، والتي تمثلت في تحقيق الإيرادات الأعلى في تاريخ السينما المصرية لمرتين متتاليتين، الأولى لفيلم الفيل الأزرق 2، والثانية لفيلم كيرة والجن- إلا إن هذه الأعمال جاءت على درجة عالية من الركاكة. فكان سيناريو الفيل الأزرق 2 مبهِرًا جدًا على المستوى البصري، لكنه كان خاوِيًا من الداخل، وكان فيلم كيرة والجن يحوي الكثير من النجوم الذين ساهم وجودهم في نجاح الفيلم تجاريًا، إلا أنه كان سيناريو كارثيًا غير مترابط بأي حالٍ من الأحوال؛ الأحداث تحدث فيه دون مبرر، وتتوالى دون تسلسل، وتنتهي دون مغزى.

وعلى التوازي كانت الأعمال التي قدمها أحمد مراد للحقل الأدبي -وهي رواية لوكاندة بير الوطاويط ورواية أبو الهول- على مستوى فني مقبول مقارنة بما قدمه للسينما، لكن الروايتين كانتا بمثابة استعراض للقدرة على التخيل وخلق العوالم المبهرة، إلا أنها -شأنها شأن الأعمال السينمائية السالف ذكرها- دون مغزى حقيقي، ودون مضمون قوي، فالأعمال تبدأ وتنتهي دون أن تضيء فكرة في عقل المتلقي. قال كافكا في سياق متصل: "على الكتاب أن يكون الفأس التي تكسر البحر المتجمد في عقل القارئ"، وللأسف لم تحقق أعمال أحمد مراد التي جاءت بعد جائزة الدولة هذا الهدف.


أحمد مراد.. السيرة الذاتية

من خلال متابعة لقاءات أحمد مراد التي ظهر فيها في هذه الفترة الركيكة من حياته الإبداعية، لوحظ انشغاله المفرط بالحديث عن قدراته، وما يبذله من مجهود في كتاباته. كما أنه كتب كتابًا غير روائي لأول مرة، وهو القتل للمبتدئين، تناول فيه أحمد مراد قواعد الكتابة التي يدرسها، بالإضافة إلى سيناريو الفيل الأزرق 2، باعتباره أنجح أفلامه وقت صدور الكتاب. وكان الجزء الأول من الكتاب عبارة عن سيرة ذاتية يحكي فيها أحمد مراد عن كواليس أعماله، وقد كان هذا الجزء أكثر الأجزاء إثارةً وجمالًا، بخلاف باقي الكتاب الذي كان جافًا مقارنة بالجزء الأول.

فلربما هذا ما يحتاجه أحمد مراد والقارئ في هذه المرحلة من مسيرته؛ يحتاجان لأن يحكي مراد عن نفسه بشكل مباشر، دون أعمال درامية تجسد إبداعه وقدراته المذهلة. لكن ما يحدث أن أحمد مراد انجرف في دوامة الاستهلاكية، والتي تطالب بالإنتاج طوال الوقت، دون توقف ودون تأمل. ورغم أن أحمد مراد كاد يسقط في هذا الفخ من قبل، عندما كتب روايتي 1919 وأرض الإله، إذ لم تكنا على قدرٍ كافٍ من الجودة وقوة المضمون، إلا أنه ما لبث أن عاد إلى رونقه وكتب موسم صيد الغزلان.

وإن أحمد مراد، رغم كل شيء، كاتبٌ مذهل وظاهرة تحتاج إلى الدراسة، إذ حقق نجاحًا تجاريًا منقطع النظير، ويُعد نموذجًا للكاتب الجماهيري الذي يحتاجه الأدب بصفة خاصة. فمنذ أن توفي نجيب محفوظ، لم يظهر روائي يخاطب الشباب بنفس القوة، وإن أحمد مراد، رغم ضعف جودة أعماله مقارنة بأعمال نجيب محفوظ، إلا أن له عقلية تجارية مرعبة. وإني لأقول قولي هذا وأنا في انتظار ما هو آتٍ من أعمال أحمد مراد الجديدة، التي أعلن عن التحضير لها وتنفيذها، وهي للأسف العديد من الأعمال التي تُنفذ معاً في نفس الوقت. لا أريد أن أستبق الأحداث، ولكن هذا الشكل من الإنتاج المتوازي يدل على استمرار السقوط في بئر الاستهلاكية، ولكم أتمنى أن أكون مخطئًا.

تم.

اكتب لنا رأيك في التعليقات وشارك المقال ليصل إلى المزيد من الأشخاص.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال