في كتابه البطل بألف وجه تناول جوزيف كامبل رحلة البطل في ستة عشر مرحلة، وفي كتابه دليل السيناريست اختصر كريستوفر فوغلر مراحل رحلة البطل في اثنتي عشر مرحلة، وفي مقالنا نتناول رحلة البطل الدرامي بشكل أكثر تكثيفاً في خمس مراحل أساسية.
(اقرأ: ملخص كتاب دليل السيناريست)
* * *
1- البداية/العالم الاعتيادي.. أولى مراحل رحلة البطل
تبدأ رحلة البطل بحدث يتعرض له البطل أو يقوم به، يؤدي إلى وقوع الحدث المحرك -وهي المرحلة التالية، وتبرز البداية عيوب البطل التي يحتاج للدخول في مغامرة القصة من أجل التخلص منها، وكذلك تؤسس البداية إلى نوعية الفيلم أو الرواية التي سيؤكدها الحدث المحرك. في عمارة يعقوبيان يلتقط زكي مومساً من بار، فيكون ذلك هو الحدث الذي سيورطه في سرقة خاتم أخته، ويبرز من خلاله أيضاً العيب الرئيسي لدى البطل وهو ولعه بالنساء، وهذا ما سيدخل الرحلة من أجل تغييره بصفة رئيسية، وتؤدي به آخر المطاف إلى أن يتزوج، وتؤسس هذه البداية -في الوقت ذاته- إلى نوعية الفيلم الاجتماعي.
وفي فيلم Leon: The Professional، يقوم ليون بالعطف على ماتيلدا، ما يترتب عليه لجوؤها إليه عندما تُقتل عائلتها، ونجد أن ليون يعيش حياة قاسية صارمة، مركزاً تركيزاً شديداً على عمله، ولذلك وُصِف بالاحترافية، ولذلك يحتاج إلى الرحلة التي سيحب خلالها ماتيلدا، فتثير إنسانيته المتوارية خلف حجب الاحترافية الجافة. جدير بالذكر أن العملية التي خاضها ليون في بداية الفيلم لا تمثل البداية التي نتحدث عنها، البداية التي نقصدها هي التي تسبب تورط البطل في الحدث المحرك، وعليه يكون عطفه على ماتيلدا هي البداية، بينما العملية التي خاضها كانت مجرد تعبير عن مدى احترافية ليون، إذ استطاع أن يصل للهدف بواسطة سكين، وسط ما يحميه من عدد هائل من الحراس المسلحين، بل وخرج ليون دون أن يصاب، ولأن ليون بعدما سيقع في حب ماتيلدا سيظهر في أحد المشاهد يخيط جرح تعرض له في عملية، ما يشير إلى أن حبها جعله غير قادر على التركيز في عمله مثل السابق.
(ليون المحترف.. الاحترافية موضوعاً للقصة)
2- الحدث المحرك.. ثاني مراحل رحلة البطل
في هذه المرحلة من رحلة البطل يتلقى البطل دعوة للدخول في مغامرة، قد تأتي هذه الدعوة من شخصية أخرى، قد تكون على شكل دعوة، أو تهديد، أو عرض، أو موقف يتورط فيه البطل، أو تأتي من داخل البطل نفسه، إذ يستشعر أن الوقت قد حان لأن يتغير. في فيلم Inception يطلب سايتو من البطل أن يقوم بعملية زراعة فكرة، وبينما يرى آرثر أن هذه العملية غير ممكنة على الإطلاق، يرى كوبر أن الدخول إلى عمق مناسب من الممكن أن يجعلها ممكنة.
إن الرفض لهو رد الفعل الطبيعي تجاه المغامرة، وفي هذه المرحلة يستعرض المؤلف من خلال تردد البطل أخطار هذه الرحلة، حتى يبرزها للمتلقي. وبطبيعة الحياة حين يحاول البطل الخروج من منطقة الراحة تتشبث به، ويحدث ذلك من خلال شخصيات تحاول منع البطل من الدخول للمغامرة، سماهم جوزيف كامبل حراس عتبة المغامرة. وهي كذلك فترة تفكُّر يحتاجها البطل لترتيب أفكاره، والبحث في المعطيات المتاحة، قبل أن يحسم قراره بالقبول أو الرفض، ولكننا نعرف إذ نشاهد الفيلم أو نقرأ الرواية أن البطل سيدخل في المغامرة على أية حال، وكلما كان الرفض حازماً في البداية، كلما استمتعنا بالتحول.
ويعقب الحدث المحرك في الغالب سقوط عنيف، البطل يقفز داخل المجهول، ولكنه سرعان ما يصدم، إذ يجد أن عالم المغامرة أظلم وأصعب مما توقع. هذه هي اللحظة التي دخل فيها كوبر إلى عقل روبرت فيشر، فوجد أن اللا وعي الخاص به مسلح، وفي حالة الموت سيسقطون في التيه، وقد لا يستطيعون العودة إلى وعيهم، إلا بعد سنين طويلة، قد تفقدهم عقلهم. إنها مرحلة تنبه البطل إلى خطورة المغامرة التي دخل، ولكن لا سبيل للعودة، وذلك أهم ما تتسم به هذه المرحلة، يجب ألا يجد البطل أي طريق سوى الاستمرار، ولذلك في فيلم Inception في ختام المشهد الذي واجه فيه كوبر فريقه بصعوبة المهمة نجده يقول لهم: الطريق الوحيد للرجوع هو الاستمرار!
ومن المثير أن يتم التعبير عن هذا العبور من العالم الاعتيادي إلى عالم المغامرة -في السينما- من خلال معادل بصري، مثلما حدث في فيلم Leon: The Professional، حين اضطر ليون لتغيير الفندق الذي يقيم فيه، فرأيناه يتحرك آتياً من الأسفل للأعلى، قبل أن تظهر بجانبه ماتيلدا. هذا المشهد يعبر عن العبور من مرحلة إلى أخرى بصرياً. وكذلك نجد أن في هذا الجزء من الرحلة في فيلم Titanic، روز تنزل مع جاك إلى قاع السفينة، هرباً من حارس خطيبها الخاص، فقد عبَّر نزول روز فتاة الطبقة الأولى وسط العاملين بالوقود عن تحولها من هذا المستوى إلى ذاك.
3- نقطة المنتصف/التحول/زاوية جديدة للأحداث.. ثالث مراحل رحلة البطل
التحول مرحلة غالباً ما تتوسط السيناريو أو الرواية، وهي مرحلة يكتشف البطل فيها منطقة جديدة في عالم المغامرة، منطقة أظلم وأشد خطورة، ولها طبيعتها الأشد خصوصية مما سبق، يعرف الأبطال من خلال هذه المرحلة أنهم في طريقهم نحو اختبار شديد القوة، من شأنه أن يغيرهم إلى الأبد. في هذا الجزء تبدأ سفينة Titanic في الغرق، وقد كان لدى روز معرفة مسبقة بنقص عدد قوارب النجاة، ويزداد الأمر سوءاً لمّا تكتشف روز أن عملية إخراج الركاب إلى القوارب تتم حسب الترتيب الطبقي، ما يجعلها تدرك صعوبة نجاتها ومحبوبها جاك معاً.
وفي فيلم ليون المحترف، في منتصف رحلة البطل تعترف ماتيلدا بحبها لليون، ما يشير إلى زاوية جديدة للأحداث لم تكن في الحسبان في النصف الأول من الفيلم. وكذلك في فيلم عمارة يعقوبيان، فمنذ بداية الفيلم نرى الأمر على أنه صراع بين أخ وأخته بسبب الأملاك، ولكن في منتصف الفيلم يأتي المشهد الشهير الذي يناجي فيه زكي ربه، فنكتشف بعد مختلف للأحداث وهي مشكلة الزواج لدى البطل، ويعقب هذا المشهد دخول بثينة حياة البطل، وينتهي به الفيلم متزوجاً منها.
(اقرأ: عمارة يعقوبيان.. سيناريو كتبه مهندس)
4- الاختبار الأقصى/أصعب ما يواجه البطل.. رابع مراحل رحلة البطل
في هذه المرحلة من رحلة البطل يواجه البطل أصعب ما يمكن أن يواجه، يواجه الموت، سواء حرفياً أو مجازاً، يموت كي يبعث من جديد، ولكن كشخص مختلف، إذ أن الاختبار الأقصى هو الذي يدفع البطل دفعاً نحو التغيير، مواجهة البطل للموت تضيف له سمة من سمات الألوهية، ما يجعل منه شخص ذا تجربة في الحياة. إن الاختبار الأقصى ليس وحده ما يغير البطل، بل إن جميع مراحل رحلة البطل السابقة والتالية تساهم في تغيير البطل، وكل مراحل رحلة البطل كانت تؤدي إلى، وترتبط بلحظة الاختبار الأقصى، ولكن الاختبار الأقصى هي اللحظة التي تتبلور فيها كل المعاناة والاختبارات السابقة في اختبار واحد هو أشدهم قوة، ليكون التغيير الناتج عنه ملحوظاً.
يفضل أن يكون الاختبار الأقصى مواجهة بين البطل والخصم بصورة مباشرة، مثلما كانت المواجهة بين ليون وستانسفيلد، والتي أدت إلى موت ليون في فيلم Leon: The Professional، وجدير بالذكر أن ليون حين بدأ الانتقام من قاتلي عائلة ماتيلدا، قتل معاون الخصم ماكي ولم يقتل الخصم نفسه، وقد تعمد السيناريست ذلك حتى يؤجل مواجهتهما إلى لحظة الاختبار الأقصى. وفي عمارة يعقوبيان تقتحم دولت منزل زكي وهو في الفراش مع بثينة ومعها الشرطة، ولأن زكي أحب بثينة، فإن اتهام دولت له هذه المرة ووصف بثينة بـ(المومس) وقع من نفسه أيما موقع، أدى إلى أنه ضرب شقيقته بالحذاء. إن مشاهد المواجهة بين البطل والخصم من أفضل أنواع المشاهد وأكثرها تأثيراً، والاختبار الأقصى هو المكان المثالي لمواجهة بين البطل والخصم.
ويكون الموت حاضراً بطريقة ما في هذا الجزء من رحلة البطل، ليس فقط من خلال خسارة البطل لكل شيء، بل إن شهود البطل على موت أحدهم -خاصة ولو كان مقرباً إليه- تؤثر أيما تأثير، ما أطلق عليه بليك سنايدر في كتابه الشهير "أنقذ القط": "نفحة الموت". في فيلم Inception تموت مول في عقل كوبر، ويقرر أن يدعها ترحل. وفي فيلم Another Round يموت تومي صديق البطل، ما يدفع البطل دفعاً نحو الحل، وهو تقبل الخسائر. أما في فيلم Leon: The Professional فإن البطل نفسه هو من يموت، وذلك لأن فكرِة الفيلم سوف تصل من خلال ماتيلدا فيما بعد. ما يشير إلى أمر هام بخصوص الاختبار الأقصى، وهو أنه لا يجب أن ينهي كل شيء، صحيح يخسر البطل كل شيء ويواجه الموت، ولكن ظاهرياً، على أن يظل هناك خطر مؤجل، واختبار أخير على البطل أن يواجهه.
(اقرأ: Another Round.. نشيد الشباب والحياة)
يلي الاختبار الأقصى فترة راحة بعد لحظة واجه فيها البطل الموت، ولكن هذه اللحظات لا تكون بالنسبة للبطل مجرد استراحة، بل إن فيها يستولي البطل على ما جاء للبحث عنه، ويكون حصوله عليه -مقابل مواجهة الموت- دليلاً على استحقاق البطل له. هنا تنجح زراعة الفكرة في عقل روبرت فيشر، وتنجو ماتيلدا من القتل، وقد قتل قاتل أسرتها، أي تم الثأر لها، وتجد روز في جيبها قلادة قلب المحيط، التي هي رمز التضحية، إذ أنها كانت هدية الخصم لها، والخصم لا يستطيع أن يهديها إلا أشياء مادية، في حين أهداها جاك روحه، ومات من أجل أن تعيش هي.
5- الذروة.. خامس مراحل رحلة البطل
بعد تجاوز الاختبار الأقصى والتقاط الأنفاس، يكتشف البطل في هذه المرحلة من رحلته أن الخطر ما يزال يلاحقه، ملاحقة أخيرة، كما يكتشف البطل أن العيوب التي ظن أنه قد تخلص منها تظهر له مرة أخرى. ولكن هجوم الخطر هذه المرة يكون يائساً، وينتج عن هذه الملاحقة القضاء على الخصم بشكل كامل، والتخلص من العيوب بشكل نهائي، وينتج عنها أيضاً عودة البطل إلى العالم الاعتيادي، ولكن كشخص مختلف. ولكي يبرز اختلاف البطل في النهاية عنه في البداية ينبغي أن يواجه اختباراً آخر، مثل الذي واجهه في مرحلة الاختبار الأقصى، موت وولادة جديدة. ويكمن الفارق الرئيسي بين الاختبار الأقصى والذروة، في أن الاختبار الأقصى هو مواجهة ضخمة مع الموت تجعل البطل يتغير داخلياً، ولكي يبرز التغير الداخلي ويتأكد للمتلقي أنه قد وقع، ينبغي أن يبرهن عليه البطل من خلال اختبار أخير هو الذروة، يطبق فيه البطل ما تعلمه من رحلة البطل الدرامية، حتى يعود للعالم الاعتيادي بشخصية جديدة أكثر حكمة. إن الذروة تؤدي إلى أن تنحل العقدة، ويستخلص البطل منها الدرس المستفاد.
هنا نجد كال -خطيب روز- يبحث عنها وسط الناجين من سفينة Titanic، وهو يبحث عن قلادته أكثر مما يبحث عن خطيبته. وفي لا لا لاند تقابل ميا سباسيتان ونرى مشهد الحلم الأخير، وهو يعني أن الحياة ليست بهذه المثالية، ولمّا تنظر ميا لسباسيتان نظرة أخيرة ويومأ كلاهما مبتسماً، يدل ذلك على إدراكهما لذلك للدرس المستفاد. وتُستَدعى روز من أجل الحصول على القلادة، ولكنها تخفي عنهم أنها بحوزتها وتحكي لهم عن جاك، وتقرر أن تلقي القلادة في المحيط إهداءً له، ما يشير إلى تضحيتها من أجله، وقد تعلمت التضحية بفضل تضحيته من أجلها. وتزرع ماتيلدا نبات ليون في حديقة المدرسة، وهو رمز حبه لها الذي منحها الحياة، وسيجعلها قادر على مواجهتها فيما هو آت.
تم.
اكتب لنا رأيك في التعليقات، وشارك المقال ليصل للمزيد من الأشخاص.