مقدمة في الدراما.. المفهوم والرسالة

منذ أن بدأ الإنسان يحكي القصص، والدراما أصبحت وسيلته لفهم نفسه والعالم.. لكن ما الدراما تحديدًا؟ وما الذي يجعلها مختلفة عن الحياة؟

مقدمة في الدراما
* * *

مفهوم الدراما

الدراما هي كل ما يقع في إطار القصة الممثلة أو المتخيلة، سواء ممثلة عن طريق وسيط سمعي بصري مثل السينما، أو من خلال نص أدبي مكتوب مثل الرواية. وهذه القصة الدرامية ما هي إلا مجموعة من الأحداث المتصلة ببعضها البعض بشكل محكم يؤدي إلى فكرة محددة. وتكون هذه الأحداث نتيجة تفاعل الشخصيات مع بعضها البعض، وبصفة أساسية نتيجة أفعال بطل القصة. تشمل الدراما السينما والتلفزيون، الرواية والقصة، والمسلسلات الإذاعية وغيرها.

(اقرأ: موجز تاريخ الدراما.. ما يحتاج الكاتب معرفته)


الفارق بين الفيلم الروائي والفيلم التسجيلي

تختلف الأفلام الروائية عن الأفلام الوثائقية أو التسجيلية، الأولى تدخل في إطار الدراما بعكس الثانية، حيث إن الروائي يعتمد على إطار درامي متخيل، قصة مكتوبة وصناع سينما من مصور ومخرج وممثلين يقومون بتمثيل هذه القصة، وبذلك يعتمد الفيلم الروائي على الإيهام بالواقع، ما يعرف بالجدار الرابع، والمقصود به أن المشاهد يشاهد الفيلم ممثلاً في ثلاثة جدران والجدار الرابع هو الشاشة/الكاميرا التي تصور ما يحدث، على أن يكون هناك اتفاق ضمني بين المشاهد وصناع الفيلم، أن يمثل الأخيرون له قصة يتفاعل الأول معها كما لو كانت حقيقية، ويحدث أحياناً أن ينظر الممثل إلى الكاميرا فيما يسمى بكسر الإيهام بالواقع أو كسر الجدار الرابع.

بينما يقوم الفيلم التسجيلي أو الوثائقي على الواقع، وليس الإيهام به، فنرى شخصيات تنظر للكاميرا وتتكلم وتحكي دون تمثيل. ولا يعني ذلك ألا نقوم بالترتيب والتخطيط للفيلم التسجيلي، بل إن للفيلم التسجيلي سيناريو مكتوب مثل الفيلم الروائي، ويتم فيه الاعتناء بالإضاءة والتكوين والمونتاج، ولكن الفارق بين الروائي والتسجيلي هو أن شخصيات التسجيلي لا تمثل، بل تتحدث إلى الكاميرا مباشرة كاسرة الجدار الرابع.

قد يحدث دمج بين نوعي الروائي والتسجيلي، ولكن بشرط، في حالة تمثيل بعض المشاهد داخل الفيلم التسجيلي -ما يعرف الـ Docudrama، أو إدخال بعض المشاهد التسجيلية داخل الفيلم الروائي، ينبغي ألا تتخطى مدة المادة الدخيلة ثلث الفيلم.


ما الفارق بين الدراما والحياة؟

الدراما منظمة، مكثفة، مرتبة بطريقة تؤدي إلى فكرة محددة، بينما الحياة متسعة متداخلة، ولكن ما السبب وراء النظام والتكثيف في الدراما عن الحياة؟ السبب هو أن الدراما خلقت لكي نشاهدها، بينما الحياة خلقت لكي نعيشها. وهذا لا يعني أن الحياة عبثية، بل منظمة، ولكن نظامها يختلف عن نظام الدراما، الحياة واسعة وممتدة، في حين أن الدراما محصورة في أطر زمانية ومكانية محددة، وذلك حتى يمكن للمتلقي أن يستوعبها. 

(اقرأ: دليل مصطلحات الكتابة.. ليون المحترف نموذجاً)


ماذا يفيد الإقرار بحقيقة أن الدراما للتلقي والحياة للعيش؟

يفيد معرفة ذلك في فهم أنه لابد وأن تستخدم الدراما طرقاً مختلفة للتعبير، قد لا تتواجد في الحياة بنفس الكيفية، فالمرتبك في الحياة لا يشترط أن يهز رجليه، والشرير في الحياة لا يشترط أن يتجهم عندما يدير وجهه، ولكن في الدراما لا بد وأن نستخدم عناصر ملموسة كهذه حتى نبرز المعنى المراد. 


رسالة الدراما.. رسالة الفن؟

كثيراً ما نسمع عبارة أن الفن لابد وأن يوجه رسالة ما، في حين نجد كثير من الفنانين يهاجمون هذا الرأي ويقولون إن الفن ليست وظيفته التربية، خاصة لما يتعلق الأمر بتصرفات الشخصيات الدرامية غير الأخلاقية. 

وهنا المشكلة ليست في رسالة الفن أو الدراما، بل في طريقة تأديته هذه الرسالة، إن الفن والدراما تحديداً لها طريقتها الخاصة في توصيل الرسالة، من يهاجمون الدراما يريدونها أن تؤدي رسالتها بنفس طريقة الخطيب والمدرس، أي بأن تعاقب -ككاتب- كل مخطئ في النهاية، وتثيب كل صالح، وهذه ليست طريقة الدراما في توصيل رسالتها. الدراما توصل رسالتها من خلال مجمل الأحداث بطريقة غير مباشرة، ولنركز على عبارة مجمل الأحداث، فقد تظهر شخصية درامية تسرق ولا تعاقب في نهاية القصة، ولكن إذا نظرنا إلى مجمل الأحداث والشخصيات الأخرى، سنجد أن القصة قد أشارت إلى رسالتها من خلالها. 

أما فيما يخص غير المباشرة، فإن الدراما تقول قولها بطريقة أكثر نضجاً، فلا ينبغي أن تعاقب كل شرير في النهاية، ولكن الدراما قد تذهب بنهايتها إلى ما هو أسمى وأبعد من العقاب. فمثلاً في فيلم ليون المحترف لا يكون التركيز على أن ما حدث لليون في نهاية الفيلم عقاباً له لأنه قاتل، ولكن الفيلم ينظر إلى ما هو أسمى، فيشير إلى أن هذا القاتل منح ماتيلدا حباً لم يمنحه لها أهلها. 

(اقرأ: ليون المحترف.. الاحترافية موضوعاً للقصة)

وفي فيلم Inception لا ننظر إلى ما يفعل البطل في عقول الآخرين على أنه سرقة تستحق العقاب، وإنما يعرض لنا الفيلم معاناة البطل كإنسان يشعر بالذنب تجاه زوجته، وكيف يتطهر من هذا الشعور بالذنب بفضل رحلة الفيلم. وفي فيلم Black Swan لا يجب أن ينشغل المشاهد بالحكم على ما تفعله البطلة من ممارسات جنسية مع صديقتها، إنما يهدف الفيلم إلى الإشارة إلى ما هو أسمى وأبعد، وهو تقبل نواقصنا وأخطائنا مهما كانت، لأن تقبل النقص هو الكمال بعينه.

إن الدراما تقوم على البشر، ورسالتها دائماً وأبداً هي البشر، رسالتها عرض صراعات البشر وتعقيداتهم، حتى تساعدنا في فهم أنفسنا والآخرين على نحو أفضل. 

تم.

اكتب لنا رأيك في التعليقات، وشارك المقال ليصل للمزيد من الأشخاص

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال