في هذا المقال تحليل سيناريو فيلم آخر الرجال المحترمين، تأليف وحيد حامد، إخراج سمير سيف، بطولة نور الشريف. يدور آخر الرجال المحترمين حول مدرس حاد الطباع، يفقد تلميذة أثناء إشرافه على رحلة مدرسية، فكيف سيستعيدها من امرأة مضطربة نفسياً تعاملها كأنها ابنتها! وكيف سيستفيد من رحلته في حل الأزمة خاصة لما يعلم أهل الطفلة بما حدث؟
(اقرأ: كيف تكتب لوج لاين؟ شخصية وحدث وسؤالين)
* * *
حين نرى البطل في أول لقطة ينظر في ساعته ويتحرك في عجالة ليلحق بصديق له كي يطلب منه خدمة، ويصر على إعطائه مقابلها المادي، وحين تتوالى بعض الأحداث المشابهة، ندرك بوضوح طبيعة الشخصية شديدة الصرامة والحزم، بجانب الأخلاق الحميدة والعاطفة. مع الإشارة إلى فقد زوجته وأولاده، وهي معلومة سنحتاج لها في لحظة شديدة الأهمية فيما بعد، ومن ناحية أخرى استغلها الكاتب في بداية الفيلم، حتى يلفت إلى أن البطل رغم فقد أولاده البيولوجيين، فهو أكثر من لديه أولاد، حيث إن كل أولاد المدرسة أولاده، وكل عام يرزق بأولاد جدد، كتمهيد وكمبرر لسلوكه عند وقوع الحدث المحرك.
جدير بالذكر أن موضوع آخر الرجال المحترمين ليس الإجراءات الفاترة التي يتخذها القانون في حالات المفقودين، ولا الفرق بين مصر والغرب في التعامل مع هذه الأمور. الإشارة إلى هذه الأمور في الفيلم كان أمراً جيداً بكل تأكيد، ولكنها ليست موضوع الفيلم الرئيسي، وإلا كان البطل سيستغرق في الهجوم عليها، ولكنه عبّر عن تعجبه واعتراضه ثم بدأ يتصرف. ولم يفعل مثلما أراد غيره أن يبلغ أهل الطفلة ويذعن لإجراءات الحكومة المتراخية، بل تصرف كشخص ملتزم ومسئول وذي تعاطف شديد تجاه هؤلاء الأطفال مثلما عرفناه، وقرر أن يبحث عن الطفلة بنفسه، لتكون رحلة البحث هي موضوع الفيلم كما سنوضح فيما يلي.
استعان البطل بشاعر يرضى بسرقة الكتب، في حين رفض البطل بشدة ألا يدفع ثمن كتابه في أول مشهد، وقال له الشاعر إنه لا يوجد إنسان مثالي مئة بالمائة، وهي عبارة ملفتة عند النظر إليها من خلال مضمون الفيلم ككل. وأوصله الشاعر بلصوص ذوي مبادئ! كما استعان البطل بجامعي القمامة عملوا عمل المخبرين. ونلاحظ أن رغم اجتهاده الشخصي ومن معه بعيداً عن القانون، فهو لم يخرق القانون، بل استعان بالشرطة آخر الأمر لإتمام عملية العثور على الطفلة، ورغم تعاونه مع لصوص، إلا أنه في لحظة ما قرر أن يسلم أحد المجرمين الذي يختطف الأطفال ويتاجر بهم، قائلاً إن ليس كل المجرمين يجوز التستر عليهم.
وفي أهم لحظة من القصة ندرك تحديداً لماذا فرجاني هو بطل القصة دون سواه، فالبطل عامةً حتى وإن كان غير متصلاً بالأحداث بشكل شخصي، فلابد وأن يكون في حياته شيء عاطفي ما مرتبط بما سيواجهه. في فيلم الغول مثلاً، تأليف وحيد حامد، كانت الأحداث تدور حول استرداد حق فتاة مغتصبة، ولم يكن البطل طرفاً مباشراً في الحدث، لكن والد المغتصِب كان متزوجاً من محبوبة البطل، ما جعله يتصدى للأمر كبطل في مواجهة خصمه. وفي آخر الرجال المحترمين فقدَ كلٌ من فرجاني وثريا أبنائهما، وفي المشهد حين يسألوا حارس العمارة فيقول لهم إن ابنة ثريا ماتت غرقاً، وأن ذلك أثَّر على صحة ثريا النفسية، نجد أن الكاميرا تتحرك من لقطة واسعة إلى لقطة قريبة لوجه البطل، فقد تفهم موقف وشعور خصمه، ما جعله قادراً على مواجهته بطريقة مناسبة، فطلب من رجال الشرطة الابتعاد، وداهن ثريا فيما تفعل ظاهرياً، كما تصدى لهجوم أهل الطفلة عليها، وحل الموقف ببراعة وحيادية.
وتحولت النار إلى رماد، على حد وصف البطل، وقد امتص النماذج والاختبارات التي قابلها في رحلته بنجاح؛ اللصوص الشرفاء وغير الشرفاء، ومساعدة رجال الشرطة، رغم اعتراضه على إجراءاتهم، وهجومهم على اهتمامه المفرط بالأمر، فاستطاع البطل أن يستخلص درساً مستفاداً ويقرر إعادة حساباته. جدير بالذكر أن كثير من الناس تخوفوا من اختطاف أطفالهم بسبب فيلم آخر الرجال المحترمين، وآخرون قد يعترضون على مضمون الفيلم ويظنون أنه يدعوا للتعاطف مع خاطفي الأطفال، ولذا ينبغي أن نلفت إلى أن الدراما تقوم على الفرضية وليس الحتمية، فأي قصة تفترض أنه إذا حدث كذا قد يحدث كذا، وعليه فإن آخر الرجال المحترمين يقول ببساطة أنه قد يكون الخاطف غير راغب في إيذاء المخطوف، والفيلم في نفس الوقت عرض نموذج آخر لخاطف أطفال عديم الضمير، وقام البطل بالإبلاغ عنه، ما يؤكد على فكرة الفيلم التي استخلصها البطل وأبرزها في مشهد الختام، وهي أن الحياة لا يجوز المضي فيها والتعامل معها بأسلوب الأبيض والأسود، حتى أن البطل كان يرتدي بذلة سوداء في بداية الفيلم، ولكن طوال الرحلة وفي نهايتها كان يرتدي بذلة رمادية.
وهذا يشير من ناحية أخرى إلى الهدف العام من وراء الدراما، بعد الاستمتاع والتسلية، إن الدراما تعتمد على البعد الإنساني للأحداث، والمدخل العاطفي لها، حتى تساهم في فهم المُشاهد للبشر، وبالتالي فهمه لنفسه على نحو أفضل، فتساعده على إدراك ذاته، وتعزز من قدرته على التواصل مع غيره بطرق أكثر فاعلية.
(اقرأ: موجز تاريخ الدراما.. مع قصة من كل حقبة)